يقول أحد قياديي حماس: «أرسلت له رسالة وقلت له إن هذا خطأ كبير وغير معقول وغير مقبول». ويعرف مسؤولو حماس مشعل على أنه الرجل الأول في حماس. ويقول ناصيف عن ذلك: «هو قائد حركة حماس. هو الرجل الأول.. وحتى في حياة الشيخ أحمد ياسين (الزعيم الروحي ومؤسس حماس)، القول إن الشيخ ياسين كان قائد حماس لم يكن دقيقاً، وعندما خلفه (عبد العزيز) الرنتيسي، (الذي اغتيل في العام 2004)، قالوا الرنتيسي زعيم حماس، ثم خرج الرنتيسي وأوضح، أنه يخلف الشيخ ياسين في قيادة غزة وأنه وجميع إخوانه يدينون بالطاعة والولاء لمشعل». وبعد اغتيال ياسين والرنتيسي، لم تعلن حماس عن مسؤولها في القطاع كما هو الحال في الضفة، وحتى على مستويات قيادية قد يكون غير معروف من هو المسؤول الأول في غزة. لم تكن الصورة بهذا الوضوح الذي تحدث عنه ناصيف إبان حياة ياسين، وكان ياسين يعرف بأنه زعيم الحركة وقائدها. يقول مهيب النواتي، وهو صحافي متخصص في الحركات الإسلامية، وكان مقرباً من قيادات حماس، والتقى ياسين أكثر من مرة، «إن صراعاً خفياً كان يدور بين ياسين ومشعل من أجل السيطرة على حماس، وإن الشيخ ياسين لم يكن يسلم بأن مشعل هو مسؤول حماس حتى إنه تساءل فور خروجه من السجن، مين مشعل وشو يعني المكتب السياسي».
وبحسب النواتي، الذي أصدر كتاباً في عام 2003 بعنوان «حماس من الداخل»، فإن مشعل حاول السيطرة على حماس من خلال رئاسته للمكتب السياسي، وعلاقته المباشرة مع قادة في كتائب القسام، وتحكمه بالمال من خلال رضى قيادة الإخوان العالمية عنه. ويستدل النواتي بأكثر من حادثة، تدلل على الخلاف بين مشعل وياسين، ومن بينها أنه «عندما قبل الشيخ ياسين، بأول هدنة أعلنها الرئيس الراحل ياسر عرفات في بدايات انتفاضة الأقصى، هذا لم يعجب مشعل، واختلفا ونفذت كتائب القسام بعد يوم من موافقة ياسين عملية في رفح». وأضاف النواتي: «الخلافات كانت معروفة، وهناك استقطابات، يعني مثلا سئل مشعل مرة عن دور ياسين في حماس، فقال إنه مؤسس حماس وأحد قياداتها، هذا لم يعجب ياسين، أنا كنت عنده وقلت له هكذا قال مشعل، فتفاجأ، وقال لي «هيك قال؟، طيب أنا بعرف أجيب شو قال». ووفق النواتي، فإن الخلافات لا تزال قائمة، وإن من يقف لمشعل أحياناً، هو محمود الزهار القيادي البارز في حماس. أما كيف سيطر مشعل على رئاسة المكتب السياسي منذ العام 1996، فهذه قصة أخرى. تقول حماس إن موسى أبو مرزوق كان أول من أعاد تنظيم صفوف الحركة بعد اعتقال الاحتلال لمعظم أبنائها عام 1989، وأسس المكتب السياسي للحركة، من أجل أن يقودها من الخارج بعدما تعرضت لضربة في الداخل، ومن ثم انتخب رئيساً لأول مكتب سياسي لحركة حماس عام 1992. لكن حادثة اعتقال أبو مرزوق في الولايات المتحدة، في العام 1995 لمدة عامين، أعطت فرصة، كما قال النواتي، لمشعل، فأعاد تشكيل المكتب السياسي وأجرى انتخابات شكلية في عمان وعُين رئيساً للمكتب عام 1996.
ويرى النواتي أنه إلى جانب قيادة الإخوان المسلمين التي تريد زعيماً لحماس من خارج فلسطين، فإن دولا عربية ساعدت في إيصال مشعل لقيادة الحركة ودعمته. وتقول مصادر فلسطينية إن بعض قيادات حماس قد تدفع في انتخابات قادمة لعودة أبو مرزوق لرئاسة المكتب السياسي.
ويقول النواتي «إن مركز قيادة حماس انتقل إلى خارج فلسطين عام 1989، بعد اعتقال قيادة الحركة في الداخل وعلى رأسهم ياسين، وقد أدت هذه التحولات التي أملتها الضرورة إلى فجوة واسعة وخلافات بين الداخل والخارج، ولكن خروج ياسين من السجن عام 1997 حقق قدراً من التوازن بين القيادتين، وإن بقي الخارج يهيمن على العمل السياسي والإعلامي والعسكري».
ويرى النواتي «أن مناسبات وأحداثاً عدة أظهرت هذا الاختلاف بين قيادتي الداخل والخارج، وأبرزها التعامل مع السلطة، وقد كانت قيادة الداخل تميل إلى المشاركة والتعاون، في حين كانت قيادة الخارج تقف على العكس من ذلك». ولا يفترض أن يبقى أعضاء الهيئات، سواء في قيادة المناطق، أو مجلس الشورى أو المكتب السياسي، في مواقعهم طويلا، إذ تحرص حماس على إجراء انتخابات دورية، وبالرغم من أن أحداً لم يعط إجابة دقيقة حول الفترة التي يجب أن تجرى فيها هذه الانتخابات، فإنه من المعروف لدى قاعدة الحركة، أن هذه الانتخابات تجرى بين كل عامين وأربعة أعوام. لكن يجب ملاحظة أن أبرز أعضاء المكتب السياسي في الخارج، وهم مشعل ومحمد نزال وموسى أبو مرزوق، لم يتغيروا منذ العام 1996.
ولا يوجد عدد دقيق لأعضاء مجلس شورى حماس في الداخل والخارج، لكنهم أكثر من 70 وأقل من 90 كما تشير بعض المصادر الحركية. وقبل ثلاثة أشهر، أجرت حماس في قطاع غزة، أول انتخابات لهيئاتها القيادية، على كل المستويات منذ فازت في الانتخابات التشريعية عام 1996، وانتخب عشرات الآلاف من عناصر الحركة في غزة، الهيئات الإدارية، ومجلس الشورى العام، والمكتب السياسي. وبحسب مسؤولي حماس، فقد أفرزت انتخابات غزة قيادات جديدة شابة في القيادة السياسية، مع انتخاب رموز في الحركة من أمثال رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية لعضوية المكتب السياسي لأول مرة، ومحمود الزهار وسعيد صيام (اغتالته إسرائيل في العدوان الأخير) وخليل الحية وعيسى النشار. وعلى الرغم من تجديد أعضاء مجلس الشورى الذي يوصف بأنه «مجلس كبار حماس»، إلا أن النواتي يعتقد أن المجلس يمثل حالة رمزية أكثر منها قيادية. وأعضاؤه لا يتحركون إلا عندما يراد لهم ذلك من المكتب السياسي لتمرير قرار ما يريده المكتب السياسي.
لكن الأهم على الإطلاق، أن هذه الانتخابات في غزة، جاءت ولأول مرة بقيادات من الجهاز العسكري لحماس، (كتائب القسام) إلى المكتب السياسي، ومنهم أحمد الجعبري، القائد الفعلي على الأرض، وأحمد الغندور ومروان عيسى. وعلى الرغم من أن القسام تجري انتخابات مستقلة هي الأخرى، إلا أنها طبعاً ترتبط بسياسات حماس ومواقفها وتتلقى التمويل من الحركة. بدأ العمل العسكري لحماس متواضعاً غير منظم حتى أواخر عام 1991، ثم شهد العمل تطوراً كبيراً بدءاً بعام 1992 حتى عام 1994. ثم بدأ العمل العسكري يتراجع نوعياً وعددياً حتى عام 1997، بسبب سيطرة السلطة، وتوقف تقريباً منذ بداية عام 1998 حتى قيام انتفاضة الأقصى في أواخر عام 2000، فانطلق العمل العسكري مرة أخرى وشهد توسعاً جغرافياً. أما فيما يتعلق بالرأس العسكري لحماس، فتشير كل المصادر إلى أن قطاع غزة يخضع عسكرياً لإمرة أحمد الجعبري الذي تعرفه حماس على أنه نائب القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، ويفضل أبناء الحركة والاستخبارات الإسرائيلية، أن يطلقوا عليه لقب «رئيس أركان حماس» وهو القائد الفعلي لكتائب القسام بسبب الحالة الأمنية والصحية التي يعيشها الضيف، بعد إصابته أكثر من مرة في محاولات اغتيال فاشلة قد تكون آخرها بحسب مصادر فلسطينية أدت إلى شلله.
وتربط الجعبري علاقات وطيدة بمشعل، حتى إن الاستخبارات الإسرائيلية تقول إنه لا يتلقى أوامره إلا من مشعل مباشرة. وقالت مصادر فلسطينية في غزة إن الجعبري الذي يُحكِم قبضته على غزة تربطه علاقات أخرى وطيدة مع الزهار. أما في الضفة الغربية، فيصعب تحديد مسؤول كتائب القسام نظراً للنواحي الأمنية. ومن غير المعروف ما إذا كانت القسام في الضفة تتلقى أوامرها مباشرة من غزة أو من الخارج. وأياً يكن، فإن مثل هذه الخلافات أو الاختلافات في حماس لا يمكن لها أن تؤثر على تماسك الحركة، التي ما زالت تدرك وتعرف أنها تعيش في عين العاصفة، وتربي أبناءها على الولاء والطاعة لأولياء الأمر، حتى إن قادة المناطق والمواقع التنظيميين، وفي الجناح العسكري لحماس يُعرَفون بالأمراء. ولا خروج على طاعة الأمير.
نقلا/ عن الشرق الأوسط